سورة الحاقة - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


المعنى يقول الله تعالى: أو الملك بأمره للزبانية، خذوه واجعلوا علىعنقه غلاً، قال ابن جرير: نزلت في أبي جهل، و{ذرعها} معناه مبلغ أذرع كيلها، وقد جعل الله تعالى السبعمائة والسبعين والسبعة مواقف ونهايات لأشياء عظام، فذلك مشي البشر: العرب وغيرهم على أن يجعلوها نهايات، وهذه السلسلة من الأشياء التي جعل فيها السبعين نهاية. وقرأ السدي: {ذرعها سبعين} بالياء، وهذا على حذف خبر الابتداء، واختلف الناس في قدر هذا الذرع، فقال محمد بن المنكدر وابن جرير وابن عباس: هو بذراع الملك، وقال نوف البكالي وغيره: الذراع سبعون باعاً في كل باع كما بين الكوفة ومكة، وهذا يحتاج إلى سند، وقال حذاق من المفسرين: هي بالذراع المعروفة هنا، وإنما خوطبنا بما نعرفه ونحصله، وقال الحسن: الله أعلم بأي ذراع هي: وقال السويد بن نجيح في كتاب الثعلبي: إن جميع أهل النار في تلك السلسلة، وقال ابن عباس: لو وضع حلقة منها على جبل لذاب كالرصاص، وقوله تعالى: {فاسلكوه} معناه: ادخلوه، ومنه قول أبي وجزة السعدي يصف حمر وحش: [البسيط]
حتى سلكن الشوى منهن في مسك *** من نسل جوابة الآفاق مهداج
وروي أن هذه السلسلة تدخل في فم الكافر وتخرج من دبره فهي في الحقيقة التي سلك فيها لكن الكلام جرى مجرى قولهم: أدخلت فمي في الحجر والقلنسوة في رأسي، وروي أن هذه السلسلة تلوى حول الكافر حتى تغمه وتضغطه، فالكلام على هذا على وجهه وهو المسلوك، وقوله تعالى: {ولا يحض على طعام المسكين} المراد به: {ولا يحض على} إطعام {طعام المسكين}، وأضاف الطعام إلى {المسكين} من حيث له إليه نسبة ما وخصت هذه الخلة من خلال الكافر بالذكر لأنها من أضر الخلال في البشر إذا كثرت في قوم هلك مساكنهم، واختلف المتأولون في قوله: {حميم}، فقال جمهور من المفسرين: هو الصديق اللطيف المودة، فنفى الله تعالى أن يكون للكافر هنالك من يواليه، ونفى أن يكون له طعام {إلا من غسلين}، وقال محمد بن المستنير: الحميم الماء السخن، فكأنه تعالى أخبر أن الكافر ليس له ماء ولا شيء مائع {ولا طعام إلا من غسلين}، والغسلين فيما قال اللغويون: ما يجري من الجراح إذا غسلت، وقال ابن عباس: هو صديد أهل النار. وقال قتادة وابن زيد: الغسلين والزقوم أخبث شيء وأبشعه، وقال الضحاك والربيع: هو شجر يأكله أهل النار، وقال بعض المفسرين: هو شيء من ضريع النار، لأن الله تعالى قد أخبر أنهم ليس لهم طعام {إلا من غسلين}، وقال في أخرى:
{من ضريع} [الغاشية: 6] فهما شيء واحد أو اثنان متداخلان، ويحتمل أن يكون الإخبار هنا عن طائفة وهناك عن طائفة، ويكون الغسلين والضريع متباينين على ما يفهم منهما في لسان العرب وخبر ليس في به، قال المهدوي: ولا يصح أن يكون هاهنا.
قال القاضي أبو محمد: وقد يصح أن يكون هنا ذلك إن شاء الله، والخاطئ: الذي يفعل ضد الصواب متعمداً والمخطئ الذي يفعله غير متعمد، وقرأ الحسن والزهري {الخاطيون} بالياء دون همز، وقرأ طلحة وأبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنه: {الخاطُون} بضم الطاء دون همز، وقوله تعالى: {فلا أقسم}، قال بعض النحاة لا زائدة والمعنى: فأقسم، وقال آخرون منهم: لا رد لما تقدم من أقوال الكفار، والبداءة {أقسم} وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {فلأقسم}، لام القسم معها ألف أقسم، وقوله تعالى: {بما تبصرون وما لا تبصرون}. قال قتادة بن دعامة: أراد الله تعالى أن يعمم في هذا القسم جميع مخلوقاته. وقال غيره: أراد الأجساد والأرواح. وهذا قول حسن عام، وقال ابن عطاء: {ما تبصرون}، من آثار القدرة {وما لا تبصرون} من أسرار القدرة، وقال قوم: أراد بقوله: {وما لا تبصرون} الملائكة والرسول الكريم جبريل في تأويل جماعة من العلماء، ومحمد صلى الله عليه وسلم في قول آخرين وأضيف القول إليه من حيث تلاه وبلغه.


نفى الله تعالى أن يكون القرآن من قول شاعر كما زعمت قريش، ونصب {قليلاً} بفعل مضمر يدل عليه {تؤمنون}، و{ما} يحتمل أن تكون نافية فينتفي إيمانهم البتة، ويحتمل أن تكون مصدرية ويتصف بالقلة، إما الإيمان وإما العدد الذي يؤمنون، فعلى اتصاف إيمانهم بالقلة فهم الإيمان اللغوي لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئاً إذ كانوا يصدقون أن الخير والصلة والعفاف الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حق صواب، ثم نفى تعالى أن يكون قول كاهن كما زعم بعضهم، وقرأ ابن كثير وابن عامر والحسن والجحدري: {قليلاً ما يؤمنون وقليلاً ما يذكرون} بالياء جميعاً. وقرأ الباقون: بالتاء من فوق، ورجح أبو عامر قراءة التاء بقوله تعالى: {فما منكم من أحد} وفي مصحف أبيّ بن كعب {ما تتذكرون} بتاءين، و{تنزيل} رفع بالابتداء، أي هو {تنزيل}، ثم أخبر تعالى أن محمداً لو تقول عليه شيئاً لعاقبه بما ذكر، والتقول: أن يقول الإنسان عن آخر أنه قال شيئاً لم يقله. وقرأ ذكوان وابنه محمد: {ولو يقُول} بالياء وضم القاف، وهذه القراءة معرضة بما صرحت به قراءة الجمهور، ويبين التعريض قوله {علينا بعض الأقاويل}، وقوله تعالى: {لأخذنا منه باليمين} اختلف في معناه، فقال ابن عباس: {باليمين}، بالقوة ومعناه: لنلنا منه عقابه بقوة منا، أو يكون المعنى: لنزعنا قوته، وقال آخرون: هي عبارة عن الهوان، كما يقال لمن يسجن أو يقام لعقوبة قد أخذ بيده وبيمينه، و{الوتين}: نياط القلب، قاله ابن عباس وهو عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر، ومنه قول الشماخ: [الوافر]
إذا بلغتني وحملت رحلي *** عرادة فاشرقي بدم الوتين
فمعنى الآية لأذهبنا حياته معجلاً، والحاجز: المانع، وجمع {حاجزين} على معنى {أحد} لأنه يقع على الجميع، ونحوه قوله عليه السلام: «ولم تحل الغنائم لأحد سوى الرؤوس قبلكم». والضمير في قوله تعالى: {وإنه لتذكرة} عائد على القرآن، وقيل على محمد صلى الله عليه وسلم، وفي قوله تعالى: {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين} وعيد وكونه {لحسرة على الكافرين} هو من حيث كفروا ويرون من آمن به ينعم وهم يعذبون، وقوله تعالى: {لحق اليقين} ذهب الكوفيون إلى أنها إضافة الشيء إلى نفسه كدار الآخرة ومسجد الجامع. وذهب البصريون والحذاق إلى أن الحق مضاف إلى الأبلغ من وجوهه، وقال المبرد: إنما هو كقولك عين اليقين ومحض اليقين. ثم أمر تعالى نبيه بالتسبيح باسمه العظيم. وفي ضمن ذلك الاستمرار على رسالته والمضي لأدائها وإبلاغها، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: «اجعلوها في ركوعكم» واستحب التزام ذلك جماعة من العلماء، وكره مالك لزوم ذلك لئلا يعد واجباً فرضاً.

1 | 2